..

أوجاعك الطيبات (2)


موجع هذا الطفل يا سيدتي حين يهرج
وشقي جدا
و في كل ليلة يرغمني على  أن احمله رغم التعب الذي أعود به محملا إلى المنزل  فأقرأ سطرا وأغفو سطرا كالطفل الجالس على أرجوحة يتأرجح في لحظة يطير وفي لحظة يهوي
ولقد كنت وعدت نفسي أني حين يصلني كتابك أتخذه صديق وحدتي ورفيق رحلتي نحو الاغتراب لذلك كلما استيقظَ وشدَّ كتفي ليوقظني ألبي رغبته وأحمله فوق صدري وأحادثه ويحادثني إلى ألا أعلم من سبق الأخر إلى النوم
ولا أدري وأنا بين يديه أأنا الطفل وهو يقرأ لي الحكايا لأنام, أم أنه هو الطفل ويعشق أن يطير النوم من عيني ليشعر أني أحبه أكثر مني!
وإني أحببته ...!
أحببت لونه الترابي حتى صار مقبرتي حين أعشق الموت.
وأحببت أوراقه المصفرة التي تشعرني أني احمل بين يدي كتابا من كتب الزمن الغابر تحمل فيها سرا من اسرار الوجود.
وأحببت العناوين الداخلية التي تحفز مخيلتي وتستحثها على التطلع إلى ما بعد العنوان,
تصدمني عناوينك يا سيدتي
توجعني عناوينك... 
المهرج.   J 
فأن أقرأ عنوان "المهرج", هذا يعني أني سأضحك.
ولكن عناوينك تخدعني سيدتي, حيث أظن أني حين أركب تاكسي لهفتي سيقودني الأمر إلى قصر من الضحك ولكن المفاجأة تقودني إلى كوخ الحزن الجميل حيث في الكوخ ترقد السعادة الهنيّة .
أذكر نكتة مصرية تحكي أن مهرجا قال لأمه "ادعي لي يا مّا , أقدر أضحك الناس" فقالت له بالبساطة التي تحملها الدنيا "روح يا بني ربنا يضحك عليك خلقه"
فكما لا نفرق بين إن كان الدعاء له أم عليه, فكذلك لا نفرق بين إن كنا نضحك أم نبكي
ففي صورة جامد لشخصين احدهما يبكي بحرقة والآخر يضحك بشدة لا نجد فرقا وقد نخلط بينهما فنتوهم أن الضاحك باك والباكي ضاحك
وعلى هذا يلعب المهرج...
بارع جدا في إخفاء سواد أيامه لإظهار وجهه المبيض ومدهش جدا حين يرسم ضحكة حد أذنيه والحزن منكوت في قلبه حد عينيه .
"أنت تبكيني"
إنه القرص المهدئ الذي شربته قبل هذه الوجبة الحرفية الدسمة, انه السطر الذي يستحق أن يكون عنوانا بعد "المهرج" فكلاهما يصبان في بحر واحد وكلاهما شمس حارقة غير أن "المهرج" أخفته غيوم غفلتنا و "أنت تبكيني" أثبته صيف واقعنا.
و الحياة سيرك كبير للغاية
و أغلب الناس فيه لهم دور معين تجاه الآخرين  فهذا مهمته إرعابهم والأخر مهمته إتعابهم أو إضحاكهم أو تسليتهم أو إشعارهم بالضجر فكل مهرج على قدر إتقانه لجنونه أو غبائه.
غير أن هناك من يهرج فيذيب ذاته لينير الناس وهناك من يهرج فيذيب الناس ليستنير.
والمهرج الذي تكتبين عنه أراه يذوب يا سيدتي, ينصهر بأكثر مما تنصهر به الشمعة, ينصهر بفوران بركان, ينصهر حد عدم التمييز بين الثانية عشر ظهرا و الثانية عشر ليلا.
وكيف لا تذيبين ذاتك يا سيدتي وأنت القائلة " أتسلق الأماكن العالية-الصعبة علي- رغما عني, أتظاهر بالشجاعة وقلبي يسقط مني مع كل درجة صعود"؟
وأنت القائلة " أصفع البكاء على وجهه وأضحك... ويصفق الجميع"؟
إنها بعض الألعاب السحرية التي يدهشنا بها المهرج دون أن نتساءل  عما إذا كان هو الآخر مندهش كما اندهاشنا ومستمتع كما استمتاعنا...
ياااه ...
أقرأ السطور وأغفو ثم استيقظ وابحث عن آخر سطر قرأته وأثناء البحث أقرأ أول سطر...
"أنت تبكيني"
ولماذا أبكي؟
لِمَ البكاء وأنا بين الجمع يضحكون؟
لِمَ أركز على شفاه المهرج الحقيقية وهو قد رسم على وجهه فما عريضا أحمر يضحك ملأ حزنه؟
و الشمس كما قلت من قبل تشرق بعد أن نتوقع أنها ماتت غارقة
تفاجئنا بسحرها وهي تطفو وتصعد إلى السماء من غير سلم
فلماذا نبكي؟ والظلام قد تلاشى؟
لماذا نبكي والمهرج يضحك؟

لماذا نبكي والدنيا كلها تحب التهريج؟


يتبع...

.

.